#مقالات
حرب الحصار والتجويع.. من الشِّعب إلى القطاع!
بقلم : اشريف محمد يحيى
.. لِعمرو بن عبد مناف قصة مشرّفة ودور عظيم في جلب الغذاء وتأمين القوافل التجارية، وقد سجّل له التاريخ ذلك الدور العظيم، وخلّده له القرآن، فاشتُق له من صنيعه لقب هاشم؛ لأنّه هشم الخبز وكسره في الماء واللبن ليصنع منه ثريدًا يطعم به قومه المكيين. كما تحدّث القرآن عن "إيلاف قريش"، الذي نظّم به هاشم رحلتين سنويتين تتجه قوافلهما التجارية إلى اليمن في الشتاء، وإلى الشام في الصيف، بموجب اتفاقيات حماية وتسهيل تجارية أنقذ بها استقرار قريش وسد جوعتها، وقد أثمر الإيلاف انتظامَ تدفّق السلع الغذائية والبضائع التجارية إلى مكة، التي كانت واديا غير ذي زرع!
ولكنّ الملأ المكي من مشركي قريش كفروا مِنّة هاشم ولم يشكروا نعمته؛ حين فرضوا على "بَنيه" مقاطعة تجارية خانقة وإجاعة لا إنسانية مخزية، أعادها إلى الذاكرة وأقامها في الذهن خذلانُ "غَزّته"، الذي احتملَه عربُ اليوم، بتفرّجهم على إجاعتها المؤلمة، التي هي فرعٌ عن حصارها المطبق..
ومن عجائب المفارقة الممضّة أن تقابَل التّوسعة بالحصار، ويُجزى الإطعام بالإجاعة، وأن تُسْلِم غزة هاشم رسميات عربية إحداها تحمل نَسب "الهاشمية"، خالصة لها من دون سائر الرسميات العربية، التي لم يصدر عنها موقف سياسي جادّ تُجاه الحصار المطبِق، ولم تبادر، بتدخل إنساني عملي في وجه المجاعة المجْهِزة!
وفي أزمة شِعب هاشم صادف "نداء الاستغاثة العاجل" لحظة استجابة مواتية، حين رقّ لحال المحاصَرين وواقِع المجوَّعين أُباة غيارى كسروا إجماع الملأ المكي المتآمِر، وخرجوا على القرار "الرسمي" الذي أصدرته "دار الندوة"؛ ففرضوا نبذ صحيفة المقاطعة الجائرة، وصنعوا "رأيا عامّا" عريضا، لم يلبث أن أبطل قرار المقاطعة الظالم ورفع أزمة الحصار الطامّة، وأنهى حرب استهداف استمرت ثلاث سنوات مريرة، اضطر خلالها المحاصَرون الهاشميون العُزْل إلى أكل ورق الشجر وسَفّ الجلود اليابسة المطحونة، (نُقل عن سعد بن أبي وقاص قوله: "خرجت ذات يوم ونحن في الشعب لأقضي حاجتي، فسمعت قعقعة تحت البول، فإذا هي قطعة من جلد بعير يابسة، فأخذتها فغسلتها، ثم أحرقتها ثم رضضتها، وسففتها بالماء فتقويت بها ثلاث ليال"!.
ولعل ما كسر حدة "حرب الإجاعة الجماعية" ومنع تسجيل عدد وفيات مرتفع تسريب بعض ذوي الضمير الحي أغذية ومؤنا للمجوَّعين تحت جنح الليل، كما فعل هشام بن عمرو العامري، الذي كان يحمّل البعير بالطعام والثياب، ثم يأخذ بخطامه حتى يقف على رأس الشعب، ثم يوجّهه إلى الشعب ويطلقه، كما كان حكيم بن حزام يُسِرّ إلى عمته خديجة بنت خويلد بالإطعام والتموين، ولو علم الملأ المكي بعمليات
التسلل والتهريب لكان له تصرف همجي يقابل مواجهة جيش الاحتلال محاولات كسر الحصار عن غزة في أسوأِ الاحتمالات، ويشبه تعامل الرسميات العربية مع "قافلة الصمود" المغاربية، حين اعترضتها على الحدود، في أحسن الحالات!
وبين شِعب هاشم وغزّة هاشم حفظ التاريخ للساعين في نقض الصحيفة الأثيمة شرف الموقف وتأثيرَ الضغط في النسخة المكية، وها هو الآن ـ في النسخة الغزية ـ يشهد على حال الأمة وواقع الرسميات بالهوان والخزي، بين يدي مشهد تتكدس فيه المساعدات الإنسانية على أبواب القطاع ولا يَطعم منها المجوعون شيئا، حتى إذا جاءوا إلى نقاط التوزيع الوهمي ـ التي نصبها الاحتلال وأولياء دعمه ـ وجدوها مصائد للاستهداف المباشر والقتل العشوائي. وقد كانت شاحنات المساعدات الغذائية والدوائية ـ في بداية العدوان الحربي على قطاع غزة ـ تطرق أبواب ذي القربى الجار، ثم لا يؤذن لها بالدخول من المعبر البري التابع لإدارته، ثم لم يستحضر انتهاك السيادة لمّا اجتاح جيش الاحتلال "محور فيلادلفيا" حاملا لأهل غزة ـ مع القصف الجوي ـ التهجير والإبادة انطلاقا من الشريط الحدودي مع مصر، ويا لمرارة المفارقة!
وكم ذا بنسخة تجويع غزة من المبكيات، التي يذكيها غياب ضمير الإنسانية الذي استيقظ في نفوس نقَضة صحيفة المقاطعة، حتى قال قائلهم ـ في استفهام إنكاري منحاز للإنسانية منتصر للمظلومية:
"أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم جوعى؟!"، وقد أتبع "الفريق الحقوقي" القولَ الفعل، مستفرغا جهود الضغط السياسي الجادّ، حتى أوقف التجويع، وأنهى المقاطعة، وكسر الحصار.. ولكنّ غزة لا بواكي لها ـ حتى الآن!! ولقد تجاوز حال "إخوتها" العرب حد الهوان، وبلغ درجة "الخسران"؛ إذ كيف تُجاع غزة هاشم وتعطّش بين ظهرانيهم وهم عُصبة يتفرّجون؟!
#قناة_المرابطون