الرموز الانتخابية.. بين التوظيف الفني والتخبّط العشوائي/ اشريف محمد يحي

مَن رأى مهزلة غيرِه هانت عليه مهزلته..!!
    أكتب هذا بين يدي غرائبَ قرأتُها عن "حالة" الانتخابات العامّة الباكستانية، تتعلّق بالرّموز الاستدلالية المعتمدة شعارا رسميا للمرشَّحين، وكان قد انطبع في ذهني استغراب من الاعتماد الاختيّاري لرموز وضعها القائمون على حملات مرشّحي الانتخابات الرئاسية في بلادنا - برضاهم - واعتُمِدت رسميّا، وأقرب مثال يحضرني منها الآن  النظّارات الطّبّية، ليس - فقطّ - لأنّي أضعُها؛ بل لأنني أبديتُ استغرابي منها ذات مرة، أمام أحد الأصدقاء - وكان مولعًا بالمجادلة والمراغَمة، وتكلُّفِ المَخارِج الانطباعيّة -  فحكّ رأسَه، وأخذ نفَسا عميقا، ثم قال لي: "خسارتك فيها".. هذا شعار بليغ؛ إنّه يرمز لـ"التبصُّر"، ثمّ قدّم عَرضا تنظيريّا، ربط فيه بين البصر والبصيرة و"البصَّرات"!
   وقد ذكرت ذلك "الربط الذهني" حين وقفتُ في جديد حملة الانتخابات الباكستانية على تحويرات الْتِفافية وتوجيهات احتوائية حوَّل بها بعضُ المترشِّحين الرموز الإكراهية التي فرضتها عليه "السلطات الانتخابية"، محاوِلين نقلها من مَعرض السلبية إلى سياق الإيجابية، مع إخراج الرّموز المنافِسة من دلالة الجَذْب إلى بِساط التنفير..
    فأمّا إخراج الشعارات من الجذب التسويقي إلى التأثير التنفيري فمثالُه سخريّة مترشّح الدائرة الانتخابية بإقليم البنجاب إعجاز غدان من اعتماد الأسد " رمزا لحملة منافِسه نواز شريف (رئيس الوزراء السابق - المدعومِ من لدن الجيش)، حيث تندَّر إعجاز غدان بالرّمز الذي رفعَته حملة نوّاز شريف؛ قائلا: <الأسد حيوان متعطّش للدماء، وما مِن مكان في مجتمعنا لوحش كهذا>!
    كما حَوَّلَ المترشِّح شهريار عفريدي شِعار الزجاجة - الذي جعلَته اللجنة الانتخابية رمزًا لحملته - مِن رمزٍ لتعاطي الخمر إلى قنّينة دواء، فقال لأنصاره - وهو يخاطِبهم: <الزّجاجة لا تمثِّل الخمر - فقطّ - بل تمثِّل - أيضا - وِعاء الدواء.. ومِن هنا فإنّ رمزَنا الانتخابيَّ زجاجةٌ دوائيّة، فيها شفاء لعلّات المجتمع وأدوائه>!
     ..ومِن مفارَقات الحملة الانتخابية الباكستانية - التي تنظُرُ إلى حال "دوّل العالَم الثالث" - أنّ الرّموز الانتخابيةَ مَعالِم يهتدي بها الأُمِّيُّ، وتعرِّفُه - مِن خلالها - الأحزابُ السياسية على مرشَّحِيها في الحملات الانتخابية، وعلى صفحات بطاقات الاقتراع.. ومِن هنا يختلف وجه الغَرابة في الحالتين: الباكستانية والموريتانية؛ حيث يتوجَّه العَتبُ وينصبُّ اللوم على حملات الأحزاب السياسية الموريتانية التي اختارَت - بمَلكِها - شعاراتٍ غريبةً ورموزا مثيرة.. بينما ينصرف التثريب والملام - في الحالة الباكستانية - إلى اللجنة الانتخابية، التي درأَت عن نفسِها المسؤوليّةَ، وألقتها على مديري عمليّة الاقتراع، الذين ذكرَت أنّ بيدهم صلاحية اختيار قائمة الرموز المخصّصة للمرشَّحِين المستقلِّين!
      ..وفي تجاوُز لمفعول الاشمئزاز، وتوظيفٍ له بالتي هيّ أطرفُ وأذكى.. تقبّل المرشَّح للنيابة على مستوى العاصمة إسلام آباد عامر مغال رمزَ الباذنجان " الذي وُضِع شعارا لحملته، وكلّف معاوِنا له بحمل كيس باذنجان، ليتناوَل منه واحدة يلوِّح بها لأنصاره في خطابات حملته، ويتّخذُها جالِبَ حظّ، مستدلّا على زيادة شعبيّته بارتفاع سِعر الباذنجان أربعَ مرّات، منذُ اعتماده رمزا لحملته الانتخابية!